بحث
بحث

أزمة قوافل المُهجّرين: ما بين مسؤولية تركيا..وروسيا

لم تفلح التظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي نظمها ناشطون أمام مقر قيادة قوات الشرطة والمجلس المحلي في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، في الضغط على الجانب التركي للسماح بدخول قوافل المُهجّرين من جنوبي دمشق وريف حمص الشمالي.

الموجبات التركية لتأخير دخول القافلات متعددة، تتعلق في جانب منها بأسباب لوجستية مرتبطة بالأعداد الهائلة للمُهجّرين وعدم وجود مخيمات كافية لهم، وأسباب أمنية تتعلق بمقاتلي الفصائل الجدد القادمين إلى ريف حلب، وأسباب سياسية تتعلق باتفاق فصائل معارضة مع روسيا لتحييد تركيا عن مصير منطقة “خفض التصعيد” في ريف حمص الشمالي. كما تحاول تركيا موازنة الضغوط الروسية المتواصلة عليها بأعداد المُهجرين الكبيرة بالتزامن مع نشر نقاط مراقبة تركية جديدة في أرياف إدلب وحلب وحماة. ولا يغيب السعي الى جذب الاهتمام الدولي للمساعدة في تأمين المهجرين عن طريقة تركيا في التعامل مع الملف وسط تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بتعهداته المالية لتركيا.

القافلتان الخامسة والسادسة من جنوبي دمشق قضتا ليل الأربعاء/الخميس، في العراء، قرب المعبر، في حين تم التعامل من قبل الأهالي مع القافلة الأولى من مهجري ريف حمص وإيوائها في مدينة الباب، أما القافلة الثانية من مهجري ريف حمص فقد تم تغيير وجهتها إلى إدلب.

فصائل المعارضة المسلحة والمجلس المحلي في الباب عجزوا عن فعل أي شيء للتخفيف من معاناة المهجرين في القوافل الأربعة المتجمعة بالقرب من معبر أبو الزندين جنوب غربي المدينة، في ظل أوضاع إنسانية صعبة يعيشها المُهجّرون العالقون منذ يومين في الحافلات، وبينهم مرضى بحاجة للعلاج.

المعارضة أكدت أن قرار منع دخول القوافل صدر عن تركيا. إلا أن انكار المعارضة مسؤوليتها عن قرار منع دخول القوافل لم يحمِها من الانتقاد اللاذع من قبل المحتجين، وفي وسائل التواصل الاجتماعي. ووصفت الفصائل بالكيانات الضعيفة التي تأخذ أوامرها من تركيا في موضوع يتعلق بالشأن الإنساني للأهالي المهجرين.

إدارة الكوارث الطبيعية التركية “آفاد” و”الهلال الأحمر التركي”، المنظمتان المسؤولتان عن الاستجابة الإنسانية في ريف حلب، أكدتا أن سبب المنع يعود إلى عدم الجاهزية لاستقبال هذا العدد الكبير من المهجرين في وقت قياسي.

قافلة مهجري ريف حمص الشمالي الأولى، وتضم 3391 شخصاً، قد تم إيواء القسم الأكبر منهم في مدينة الباب، الأربعاء، بشكل غير رسمي. العائلات الحمصية من حي الوعر الموجودة في مدينة الباب والريف القريب منها، استقبلت عشرات العائلات التي كانت في القافلة، وتوزع الباقون على مراكز إيواء في الباب. القافلة الثانية من مهجري ريف حمص الشمالي، والتي كانت تنتظر في مناطق سيطرة النظام قرب معبر أبو الزندين، تم تغيير وجهتها، منتصف ليل الأربعاء/الخميس، إلى معبر قلعة المضيق ليتم استقبالها في ادلب. القافلة الثانية تضم 2803 مُهجّراً يتوزعون على 59 حافلة.

القوات الروسية المتواجدة بالقرب من معبر أبو الزندين جنوب غربي الباب عرضت على القوافل التي تنتظر الاذن بالدخول الى ريف حلب، إنشاء مخيم لهم في منطقة قريبة من المعبر، بحماية روسية. المهجرون رفضوا العرض الروسي، الذي يندرج في إطار الضغط على الجانب التركي ووضعه في موقف محرج مع المهجرين والأهالي في ريف حلب.

وتكتظ منطقة “درع الفرات” فعلياً بالمهجرين والنازحين، ولا مكان يكفي لاستقبال هذه الأعداد في المخيمات. المطالبة الشعبية تركزت على السماح للمهجرين بالدخول إلى المناطق المُحررة، في حين تعهدت الفعاليات المدنية بالتكفل بإيوائهم. لكن الطلب رفض أيضاً.

مصدر عسكري من ريف حمص الشمالي، أكد لـ”المدن”، أن تركيا رفضت السماح بدخول قوافل ريف حمص إلى “درع الفرات” لأنها غاضبة من إتمام الاتفاق مع الجانب الروسي من دون التنسيق معها، أو على الأقل التنسيق مع الفصائل المقربة منها في ريف حمص، مثل “فيلق الشام” و”حركة أحرار الشام”. فمن قام بالمفاوضات مع الجانب الروسي، وأتم صفقة “المصالحة” والتهجير هو “جيش التوحيد” الذي تحول إلى مليشيا مدعومة روسياً. وأوضح المصدر أن “لجنة المفاوضات في ريف حمص” لم تنسق مع الجانب التركي بخصوص استقبال المهجرين في ريف حلب، الأمر الذي أثر سلباً على عمليات الاستجابة للقافلتين الأولى والثانية. ولولا الضغوط الشعبية والمبادرات التي قام بها الأهالي في الباب لما تمكن المهجرون على متن القافلة الأولى من دخول المنطقة وإيوائهم. وأعداد المُهجّرين من ريف حمص المتوقعة، بحسب المصدر، كبيرة، وقد تتجاوز 25 ألف شخص، بينهم 8 آلاف مقاتل. وعلى “لجنة المفاوضات في ريف حمص” أن تفتح قناة اتصال مع الجانب التركي بهدف تحقيق استجابة أفضل لآن غالبية المهجرين لا يرغبون بأن تكون وجهتهم إدلب بسبب العلاقة المتوترة مع “هيئة تحرير الشام” التي قاتلوها في ريف حمص.

قرار منع دخول القوافل شمل أيضاً المهجرين من منطقة جنوبي دمشق. وهناك تخوف أمني لدى الجانب التركي من القوافل القادمة من هناك، ومن المتوقع أن يسمح لهم بالدخول، الخميس، على أن يتم إيواؤهم في المخيمات المؤقتة قرب اعزاز والباب.

وبعد أن تم تغيير وجهة القافلة الثانية من مهجري ريف حمص إلى ادلب، أعلنت منظمات وجمعيات إغاثية عن استعدادها للمساعدة في إيوائهم، وتأمين مستلزماتهم الضرورية، كـ”الهلال الأحمر السوري” و”منظمة بنفسج” و”الشام الخيرية” وغيرها. وذلك على عكس ما يحدث في منطقة “درع الفرات” التي شهدت توقف عمل الكثير من المنظمات والجمعيات، بعدما تكفلت “آفاد” و”الهلال الأحمر التركي” بعملية الاستجابة في ريف حلب.

السماح لمهجري ريف حمص بالدخول إلى المنطقة سيكون حملاً ثقيلاً على المنظمتين نظراً للأعداد الكبيرة المتوقعة، والأمر لا يقتصر على الإيواء فقط، بل كذلك الإغاثة الشهرية، وهذا ما قد تعجز عنه المنظمات الإغاثية المحلية. وتحتاج عملية إيواء المُهجرين المتوقع وصولها إلى المنطقة إنشاء 5 مخيمات على الأقل بحجم مخيم البل في ريف حلب، الذي أنشأته “آفاد” منتصف نيسان/أبريل لمهجري دوما في الغوطة الشرقية، وسعته الاجمالية خمسة آلاف شخص ويضم قرابة 700 خيمة.

المصدر: جريدة المدن الالكترونية 

اترك تعليقاً