بحث
بحث

كيف بدت دمشق مع الحملة العسكرية التي تستهدف الغوطة؟

صوت العاصمة – خاص
بعيداً عن وسائل إعلام النظام الرسمي والبديل، والتي تصوّر دمشق في هذه الأيام على أنها بأحسن حال، تعيش العاصمة حالة انقسام وانفصام عاشتها سابقاً بعد عمليات التهجير التي طالت عدة مدن وأحياء أبرزها مدينة “داريا”

الشريحة الأولى وهي الأكبر في مدينة السبع ملايين نسمة، المهجّرين إلى مدينة دمشق من غوطتيها وبقية المدن السورية المدمّرة، الذين يعيشون في معظمهم حالة من “المعارضة” للنظام سراً في مدينة تحكمها أجهزة المخابرات وتقطع الحواجز العسكرية أوصالها.

لمجرد أنك تمشي في الشارع وتسمع دوي الانفجارات وهدير الطائرات الروسية، ترى على وجوة المارة ملامح تعبر عن البؤس والحُزن على ما يجري في غوطة دمشق الشرقية، لما تملكه من مكان استراتيجي وقربها من مدينة دمشق، والتي تعتبر منطلق المعركة التي يحلم بها كلُ مهجّر عن أرضه.

أكثر من نصف مليون مهجّر من الغوطة الشرقية يعيشون في مدينة دمشق وريفها القريب، معظمهم لديه أقارب وأشقاء وأصدقاء مُحاصرين في الغوطة، يعيشون حالة من التخوّف ومحاولة جاهدة لتكذيب ما يصل من أخبار حول تقدم النظام السوري وتمكنه من شطر الغوطة إلى ثلاثة أقسام، مع انقطاع الانترنت في الداخل وصعوبة التواصل عبر الهاتف نتيجة إقامة آلاف المدنيين داخل الأقبية والأنفاق تجنباً للقصف العنيف الذي تشهده المنطقة.

مئات العوائل في مدينة دمشق تعيش أسبوعها الثالث دون معرفة مصير أقاربها في الغوطة الشرقية، تتبع الأخبار الواردة عبر الصفحات الإعلامية الموالية منها أو المعارضة، تنتظر بلهفة خروجهم سالمين عبر إجلاء نحو مدينة دمشق، وربما تنتظر خبر مقتلهم وظهور اسمائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

فئة ليست بقليلة من أهالي دمشق والمهجرين إليها من غوطتها يقاتل اقاربهم مع الفصائل سِرّاً في تلك المنطقة، يعيشون حالة من التخوف الشديد حول مصير أبنائهم المقاتلين وسط انعدام تام للتواصل معهم، وتجنب الإعلام المعارض نشر أسماء قتلى المعارك والمنطوين في صفوف المعارضة المسلحة.

ويبقى السؤال الأكثر تداولاً بين هذه الفئة: لماذا سقطت الغوطة؟ وأين ذهبت القوة العسكرية للفصائل، وهل هي عملية تسليم وصفقة دولية جرت على حساب دماء أهلنا؟ كيف لمنطقة صمدت ست سنوات أن تسقط خلال أسبوعين ؟ ولكنهم لا يجدون إجابة واضحة، ومن كل بيان يصدر من الداخل المحاصر حول الصمود والتقدم، تأتي الأخبار المُعاكسة بسقوط مناطق جديدة بيد النظام السوري.

الوسط الرمادي أو كما يُعرف في المصطلح المحلي (جماعة الله يفرّج) لا مشكلة لديهم بعمليات القتل والتدمير الممنهج التي تجري في الغوطة، وآخر همومهم أن ينتصر النظام أو يخسر، كل ما يريدونه هو وقف القصف العشوائي على مدينة دمشق، وهنا فقط تسمع صراخهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنهم لا يتفوهون بحرف واحد حين يسمعون أصوات الصواريخ والغارات ليل نهار تصب حممها على أرض الغوطة الشرقية وتقتل مئات المدنيين يومياً.

هؤلاء تحديداً يتعاطفون مع ذوي قتلى النظام، ولا يبدون أي تعاطف في حال سمع أحد معارفهم بمقتل قريب له في الغوطة الشرقية. بحسب وجهة نظرهم أن سكان وأهالي الغوطة هم سبب ما يحصل في دمشق، وهم من عطّل عليه سيران يوم الجمعة المفضّل، وهم من تسبب بهجرة أبنائهم، وهم من يرمون الهاون. هؤلاء يحزنون ويفرحون في نفس الوقت، وأكبر أحلامهم هو السهر آخر الليل في أحد مطاعم دمشق، وغالباً ما يكونون من أبناء الطبقة المتوسطة مادياً.

الشارع الموالي أيضاً ينقسم بين فقير يموت ابنه على الجبهات، وغني يعيش حالة من الانتظار لانتهاء العمليات العسكرية لتعود تجاراته إلى ما كانت عليه بعد جمود كبير في أسواق دمشق خلال فترة المعارك والقصف.

حيتان السوق وأصحاب رؤوس الأموال وكبار الضباط، ينتظرون بفارغ الصبر الحسم العسكري شرق دمشق، والانتهاء من جوبر على وجه الخاص، يقومون بدعم النظام مادياً ومعنوياً، ولكنهم غير مضطرون لإرسال أبنائهم لـ “الدفاع عن الوطن” حسب زعمهم.

أما الشريحة الاقتصادية الكبرى فهي منفصلة عن الغوطة، تستمتع بالدمار الذي يحصل في الغوطة الشرقية، فعند انتهاء المعارك سيبدأ دورهم بصفقات إعادة الإعمار والتجارة إلى السكان الذين بقوا في الغوطة، ويحاولون دعم أي قرار لا يهجّر آلاف المدنيين من تلك المنطقة، لأن في وجودهم منفعة اقتصادية لأعمالهم وتجاراتهم.

شوارع دمشق تشهد يومياً تشييع العشرات، بين قتيل على جبهات الغوطة وآخر قضى في قصف عشوائي، يقول النظام أن مصدره الغوطة الشرقية، الأمر الذي يلقى استهجاناً حتى من الفئة المهجّرة إلى مدينة دمشق، فالقصف العشوائي ليس الحل لوقف طيران النظام بنظر الكثيرين.

و هنا يبدو أن الحل، كما عودنا النظام، هو فرض التهجير على سكان المناطق اللتي يحتلها. في دمشق، بدأ المهجرون من الغوطة الشرقية بالتساول عن مصير أبناءهم، أقرباءهم و معارفهم في المناطق المحاصرة:’يا ترى إلى أين سيتم تهجيرهم؟ هل سنراهم مجددا ام ان اللقاء بات مستحيلا؟’

اترك تعليقاً