بحث
بحث

المدن: رحلة الـ”هوب هوب” إلى سوتشي:”الواسطة”بغرف الفنادق


تحوّل مطار دمشق الدولي، خلال اليومين الماضيين، إلى ما يُشبه كراج “هوب هوب” بحسب التعبير السوري، نتيجة الضغط الكبير الحاصل على رحلات “أجنحة الشام” إلى سوتشي الروسية. المطار شهد عمليات تأخير في مواعيد الطائرات، وإلغاء رحلات مخصصة إلى القامشلي والحسكة، بعدما تم تحويل وجهتها إلى سوتشي.بعض المشاركين في مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي، سافروا واقفين في الطائرة، طوال الرحلة الجوية، بسبب عدم وجود شواغر لهم. العديد من المشاركين اكتشفوا أن لا مقاعد لهم، بعدما غادروا قسم الهجرة والجوازات في مطار دمشق، ودخلوا الطائرات المخصصة لنقلهم.

وفور وصول الدفعات الأولى من المسافرين من دمشق إلى مطار سوتشي، تم نقلهم ضمن حافلات إلى الفنادق التي خصصت وحُجزت بالكامل للمشاركين في المؤتمر. ونتيجة الضغط الكبير، والأعداد التي وصلت في وقت واحد، بقي المشاركون ينتظرون لاستلام غرفهم، أكثر من ست ساعات، وبدأت الاتصالات مع الوساطات والمحسوبيات من أجل تسريع استلامها. الاتصالات كانت تجري مع قيادات عسكرية وأمنية من النظام، ممن أرسلوا أيضاً “وفودهم” إلى سوتشي.

التململ كان واضحاً لدى المشاركين في المؤتمر، منذ المغادرة، وسط حساسيات بين الأحزاب المشاركة والشخصيات المحسوبة على النظام. أعضاء “حزب البعث” ومن في حكمهم من قيادة “كتائب البعث” المسلحة، مارسوا سلطتهم وكأنهم في سوريا، عبر الترهيب وفرض أولويتهم في كل شيء، مفترضين أن لهم الأحقية في الحصول على أفضل غرف الفنادق والوصول إلى المطاعم.

ومن المشاركين في المؤتمر أعضاء غرف التجارة والصناعة السورية، وأعضاء من “شبيبة الثورة”، ومن وزارة التربية، وشخصيات من كافة “الأحزاب السياسية” في سوريا، وقادة في “جمعية البستان” لصاحبها رامي مخلوف، والتي تملك ذراعاً عسكرياً يحارب في دمشق وريفها.

الحساسية الكبرى كانت بين أعضاء “حزب البعث” وكتائبه وقادة المليشيات الموالية الذين خرجوا بصفة مدنية، وبين أعضاء “وزارة المصالحة” ومعهم “لجان مصالحة” وأعضاء “تسويات”. معاوية البقاعي “أبو بحر” وسمير الشحرور “المنشار”، شاركا في جنيف كناطقين باسم “مركز مصالحة برزة”.

الهواتف المحمولة لم تفارق أيدي المشاركين، والسيلفي سيد الموقف، منذ لحظة الصعود إلى الطائرة وصولاً إلى الحافلات ومن ثم إلى الفنادق. في الاستقبال والمطعم، وأثناء الغداء والتجول في الأسواق، لم يتوقف المشاركون عن التقاط السيلفي، وكأنهم في رحلة سياحية.

الانزعاج بدا واضحاً على أعضاء “وزارة المصالحة” و”حزب البعث” والكتاب والنقاد والممثلين، بعد الإعلان أن من سيلقي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر هو رئيس “غرفة التجارة في دمشق” محمد غسان قلاع. كل مُشارك يرى في نفسه الأحقية في إلقاء الكلمة الافتتاحية، خاصة المعروفين بموقفهم التشبيحي الواضح والوقوف العلني مع النظام وجيشه.

ومع وصول الحافلات، صباح الثلاثاء، إلى مكان عقد المؤتمر في سوتشي، بدأ المشاركون بإلتقاط الصور، حتى وصولهم إلى مقاعدهم. صالة المؤتمر بدت وكأنها أحد المراكز الثقافية، والمؤتمر، كما ظهر في البرنامج الذي وزع على المشاركين، بدا كأنه ندوة ثقافية، فلا حوار سوري–سوري، ولا نقاشات، ولا من يحزنون.

أكثر من 1000 شخص، اجتمعوا ليستمعوا إلى عدد محدد من كلمات شخصيات قيادية بعضها محسوب على النظام والبعض على ما يشبه المعارضة الداخلية أو الخارجية، ضمن سقف لم يتعدَ “الاصلاحات” و”مكافحة الارهاب”. ليس من حق أحد التكلم أو الاعتراض أو النقاش. فالوقت ضيق جداً، وكل الوقت المخصص للمؤتمر، هو 6 ساعات فقط، أي أن حصة كل مشارك هي 21.6 ثانية، للحديث، وهو وقت يكفي للتعريف بالاسم، وربما إلقاء التحية. وما تبقى من الوقت، فهو مخصص للأكل والاستراحات، الأمر الذي أثار سخرية كبيرة، فكيف لمؤتمر يبحث مصير سوريا أن يجمع آلاف الأشخاص ويدوم لـ6 ساعات فقط.

وما أثار السخرية أيضاً، هو فقرة ضمن برنامج المؤتمر، تخص الطعام، وتقول إنه قد تم تخصيصه بما يتناسب مع القادمين من سوريا، من دون توضيح لذلك، فهل تم سحب لحم الخنزير والكحول من قوائم الطعام؟

أغلب المشاركين وضعوا على ملابسهم، صوراً وبروشورات للأسد، وآخرين التحفوا بالعلم السوري، وبعضهم حمل صوراً لعناصر من قوات النظام والمليشيات الرديفة.

يقول أحد المشاركين في المؤتمر، بنبرة استعلائية عن زملائه، إن هناك شريحة واسعة من المشاركين، لم تركب طائرة من قبل، ولم تدخل فندقاً بأكثر من نجمة واحدة. تعليق يعكس حقيقة الازدراء الواسع الذي يكنه المشاركون الموالون للنظام، لبعضهم البعض. لكن الغرابة تكمن في رفض تسمية المؤتمر الأولى: “مؤتمر الشعوب السورية”، والإصرار على الوحدة وتسمية “الشعب السوري”، رغم كل الاحتقار المتبادل، والشخصيات المتورمة التي تبحث عن دعم من “واسطتها” في دمشق، حتى لو كانت في سوتشي.
المصدر: جريدة المدن 

 

اترك تعليقاً