بحث
بحث

الجزيرة: هل تحسم معركة حرستا مصير الغوطة الشرقية؟

تدخل معركة جبهة حرستا بغوطة دمشق الشرقية أسبوعها الثالث، مع استمرار الاشتباكات العنيفة بين تشكيلات النظام السوري المختلفة وفصائل المعارضة، ومحاولات كل طرف إحراز المزيد من التقدم على حساب الطرف الآخر، وذلك بالتوازي مع قصف عنيف يطال معظم مناطق الغوطة المحاصرة.

ففي الثلاثين من الشهر الفائت، أطلقت فصائل معارضة منضوية تحت غرفة عمليات “بأنهم ظلموا” المرحلة الثانية من المعركة، التي كانت مرحلتها الأولى قد بدأت منتصف نوفمبر/تشرين الثاني بهدف السيطرة على إدارة المركبات، وهي كبرى ثكنات النظام العسكرية في الغوطة الشرقية وأبرز مواقع انطلاق القصف المدفعي عليها، مما جعلها عرضة لهجمات مقاتلي المعارضة منذ عام 2012.
 
ونجحت هذه المرحلة خلال أيامها الأولى في حصار إدارة المركبات وقطع طرق الإمداد عنها، ثم تمكن النظام من فك الحصار عنها مجددا، لتستمر عمليات الكر والفر بين الطرفين حتى اليوم وسط خسائر بشرية ومادية من كل منهما.
 
وهدفت المعركة عند انطلاقها لتوسيع رقعة سيطرة الفصائل ضمن إدارة المركبات، التي تمتد على مساحة كبيرة بين ثلاث بلدات هي حرستا وعربين ومديرا، مما يعني الحاجة لمعركة طويلة الأمد أو سلسلة من المعارك لاستكمال السيطرة عليها، وذلك وفق حديث الناشط الإعلامي آدم خليل للجزيرة نت.
 
ويشير خليل إلى مصادر عسكرية تحدثت عن معلومات استخباراتية تفيد بنيّة النظام استخدام الإدارة منطلقا لشن معركة باتجاه دوما وحرستا ومديرا، بهدف فصل بلدات الغوطة عن بعضها بعضا، مما دفع بالفصائل لاستباق هذه الخطوة وشن المرحلة الثانية من معركة “بأنهم ظلموا”.
 
حصار ثم تراجع
ويضيف الناشط من داخل الغوطة الشرقية أن “حصار الإدارة لم يكن بالحسبان وذلك بحسب المصادر العسكرية، لكن فرار ومقتل أعداد كبيرة من عناصر النظام، واستهداف أماكن تمركزهم بمفخختين مع بداية المعركة التي شارك فيها بشكل أساسي هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية، فتح الطريق للسيطرة على أحياء العجمي والحدائق وطريق حرستا عربين الرئيسي، وبذلك أُحكم الطوق على إدارة المركبات بشكل كامل”.
 
بيد أن القصف الجوي والمدفعي المكثف الذي أعقب ذلك أجبر الفصائل على التراجع من محور كراج الحجز والأمن الجنائي لنقاط خلفية على طريق حرستا عربين الرئيسي، ومن ثم لنقاط خلف المطاحن في بساتين عربين.
 
وسمح هذا التراجع لقوات النظام بإحداث ثغرة وشق طريق للدخول إلى الإدارة ليلا بهدف إجلاء الجرحى وإيصال المساعدات العسكرية والغذائية، وهو طريق غير مخصص للآليات أو الدخول النهاري بسبب رصده من قبل مقاتلي المعارضة من المناطق المحيطة، بحسب الناشط.
 
وخلال الأيام التالية بدأت قوات النظام شن هجوم جديد في محيط حرستا من محور طريق دمشق حمص الدولي والبساتين الفاصلة بين دوما وحرستا بهدف اقتحام الأخيرة وعزلها، بمساندة قصف عنيف من راجمات الصواريخ والطيران الحربي.
 
خسائر بشرية ومادية
أدت المعارك لوقوع خسائر بشرية ومادية بين صفوف مقاتلي الطرفين، وكذلك بين المدنيين داخل الغوطة وداخل العاصمة دمشق أيضا، مع تعرض مدن وبلدات الغوطة لقصف مكثف أجبر مئات العائلات على النزوح أو اللجوء للأقبية هربا من موت محتم، وتساقط قذائف الهاون العشوائية في العديد من أحياء دمشق.
 
ونشرت غرفة عمليات فصائل المعارضة مساء الأحد توثيقا لأسماء ما يقارب 230 عنصرا للنظام لقوا حتفهم خلال المعارك، منهم أكثر من مئة ضابط برتب مختلفة. وينتمي هؤلاء العناصر لتشكيلات مختلفة زج بها النظام في هذه المعركة، منها الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والفرقة التاسعة والأمن العسكري ودرع القلمون والحرس القومي العربي، كما تتحدث الغرفة عن إعطاب آليات عسكرية مختلفة للنظام على مدار الأسابيع الفائتة.
 
بدوره تحدث فصيل فيلق الرحمن -الذي شارك باقتحام بعض النقاط على جبهة عربين- عن مقتل أكثر من 15 من مقاتليه بينهم أحد القياديين، في حين لم تنشر الفصائل الأخرى إحصائيات رسمية عن خسائرها.
 
ومن داخل الغوطة، يتحدث الناشط الإعلامي خالد الرفاعي للجزيرة نت عن قصف على مدار الساعة بمختلف أنواع الأسلحة الشديدة التدمير على الأحياء السكنية والمناطق المحيطة بإدارة المركبات، “بهدف الضغط على الفصائل للتراجع”.
 
وقد شهدت بلدات عربين وحرستا ومديرا حركة نزوح كبيرة، فضلا عن نزوح سكان قطاع المرج شرقي الغوطة نتيجة المعارك الدائرة في بلدات الزريقية والنشابية وفق الرفاعي، مما يعني كارثة إنسانية في المنطقة التي تعاني من تبعات الحصار المطبق.
 
الوضع الحالي
ويشير الناشط آدم خليل -وهو مراسل شبكة صوت العاصمة الإخبارية داخل الغوطة الشرقية- إلى استمرار سيطرة فصائل المعارضة على معظم أجزاء مدينة حرستا، وأهمها الشارع العام وأحياء العجمي والحدائق وقسم من حي الجسرين وجزء من طريق حرستا عربين ومنطقة مديرية الأفران ومنطقة المدارس، وجميعها كانت خاضعة لقوات النظام قبل انطلاق المرحلة الثانية من المعركة.
 
وينبه خليل إلى أن غرفة العمليات لم تعلن حتى هذه اللحظة انتهاء المعركة بشكل رسمي، كما لم تعلن عن مرحلة ثالثة، “فالمعلومات المتوفرة تقول إن المعركة مستمرة”، وهو ما تؤكده تصريحات وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية في الحكومة السورية لوسائل إعلامية رسمية، بأن “مدينة حرستا أبعد ما تكون حاليا عن إنجاز اتفاق تسوية ومصالحة، والرد فيها سيكون عسكريا”.
 
ومع عنف المواجهات بين الطرفين وحساسية إدارة المركبات من حيث الموقع والمساحة، يرى الناشط الإعلامي أن معارك الغوطة الشرقية وحصارها لن تتوقف خلال المرحلة الحالية، “بل قد تشهد المنطقة تصعيدا كبيرا في حال تمكن الفصائل من السيطرة على الإدارة ومن ثم على كامل مدينة حرستا”.
اترك تعليقاً