بحث
بحث

كيف رفع “المركزي” قيمة الليرة السورية؟

تشهد أسواق العاصمة دمشق، منذ أيام، انخفاضاً في سعر صرف الدولار الأميركي، لم تتضح مسبباته بدقة بعد. انخفاض قيمة الدولار في الأسواق العالمية، وفائض الثقة بتحسن أوضاع السوق السورية المحلية نتيجة
“الانتصارات” الأخيرة التي يحققها النظام وحلفاؤه، كانت عوامل ساعدت في تحسن قيمة الليرة السورية، إلا أن سياسات المصرف المركزي السوري ومضاربي السوق السوداء قد تكون أكثر قدرة على تفسير تلك الظاهرة

وانخفض سعر صرف الدولار لأكثر من 50 ليرة، خلال أسبوع تقريباً، متراجعاً من 496 إلى 434 ليرة سورية، بعدما ظل لأكثر من سنة يراوح على أعتاب الـ500 ليرة.

ويحدد المصرف المركزي سعر صرف الدولار وكميته، لشركات الصرافة المرخصة، ولشركات التحويل المرخصة، في حين تتمتع السوق السوداء بهامش حركة أكبر.

وشهد سوق دمشق تضارباً كبيراً بين أسعار صرف المركزي والسوق السوداء، منذ عشرة أيام، بعدما أصدر المركزي قراراً بتثبيت سعر الصرف عند 490 ليرة للدولار الواحد، مع تحديد كمية الدولار المسموح بتداولها، ومنع سحب الودائع بالليرة السورية. الأمر الذي تسبب بزيادة الطلب على الليرة، فيما يُشبه نوبة ذُعر حول مصير الدولار. فانخفض سعر السوق السوداء حينها إلى 470 ليرة. ليبدأ مضاربو السوق السوداء، بما يُشبه توجيهاً من المصرف المركزي، بشراء الدولار من السوق السوداء وبيعه للمركزي. الأمر الذي تسبب بسحب الدولار من السوق السوداء إلى خزائن المركزي.

وجود الفائض في السوق السوداء من الدولار، مع توقف عملية البيع، تسبب بهبوط جديد لسعر الصرف في السوداء إلى ما دون 450 ليرة، فقام المركزي بخفض سعر صرف الدولار للحوالات والاستيراد 30 ليرة سورية، ليصبح 460 ليرة مقابل الدولار. وتوقفت عمليات البيع والشراء في السوق السوداء لساعات، ما خفض سعر الدولار فيها مجدداً إلى 410 ليرات، للمرة الأولى منذ أكثر من سنتين.

المركزي، عاد وخفّض سعر دولار الحوالات والاستيراد إلى 430/434 ليرة، الأمر الذي عزز من قيمة العملة السورية في الأسواق، رغم فقدانها.

هبوط قيمة سعر صرف دولار الحوالات، جعل الناس والتجار يتجهون إلى “التحويل الأسود”، رغم خطورته الأمنية، الأمر الذي رفع مجدداً سعر السوق السوداء إلى 430 ليرة مقابل الدولار الواحد.

وبدأ المركزي خطته، في 30 تشرين الأول/أكتوبر، بقرار يُحدد لأي شخص قيمة وتواتر استلام الحوالات الخارجية. ويقضي القرار بأن سقف الحوالة المالية من الخارج هو 500 دولار، لمرة واحدة شهرياً. وفي حال وصل إلى الشخص أكثر من حوالة في الشهر، أو حوالة واحدة بمبلغ يزيد عن 500 دولار، سيتم تجميد المبلغ الإضافي لمدة ثلاثة أشهر، أو اقتطاع نسبة تصل إلى 10 في المائة من المبلغ في حال التسليم الفوري. وترافق ذلك مع احتكار المصارف، بأمر من المركزي، لودائع التجار والشركات من الليرة السورية، ورفض تسليمهم مبالغ كبيرة.

وبالتالي ازدياد الطلب على الليرة السورية، مع وجود كميات كبيرة من الدولار، الأمر الذي جعل السوق السوداء توقف عمليات الصرف. واضطر الناس حينها للتوجه إلى المصارف التجارية والبنك المركزي لتصريف الدولار، تجنباً لهبوط آخر. الأمر الذي جعل المركزي يقوم بجمع أكبر كمية من النقد الأجنبي، مع امتناع السوق السوداء عن التصريف والتحويل الخارجي.

اللعبة ذاتها كان المركزي قد عمل بها في العام 2016 واستطاع حينها خفض سعر الصرف إلى 500 ليرة وتثبيته لأشهر طويلة بعد أن وصل إلى اعلى مستوياته في السوق السوداء إلى 625 ليرة مقابل الدولار الواحد.

“المركزي”، وعبر تلك الاجراءات، أراد رفع قيمة الليرة السورية، لتبدو البلد وكأنها تتعافى مع انحسار المساحات التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، والانتصارات الأخيرة ضد “داعش”، واستعادة السوق “عافيته”، وازدهار حركة الاستيراد والتصدير، ما يعني وجود وفرة في الدولار.

وقف السحوبات بالليرة السورية، هو إجراء مؤقت لجأ إليه المركزي، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، قبل صرف رواتب العاملين في الدولة، الأحد، في 3 كانون الأول/ديسمبر، (الجمعة والسبت عطلة رسمية في سوريا). ولا يمكن الاستمرار بالعملية، تقنياً سوى لأيام قليلة. ومع ذلك، حققت العملية أرباحاً طائلة للمركزي، بسبب فرق سعر الصرف مع السوق السوداء، والطلب المُفتعل على الليرة السورية.

نتيجة عدم استقرار سعر الصرف، واحتكار المركزي لودائع التجار وفقدان العملة السورية من السوق، توقف تجار السوداء عن عمليات الصرف والبيع والتحويلات الخارجية، أو التصريف بقيمة منخفضة وصلت إلى ما دون 400 ليرة سورية للدولار بالنسبة للحوالات الخارجية.

المركزي قام بتحرير جزء من ودائع التجار، لإعادة طرح الليرة السورية في السوق مجدداً، ولكن “التحالف التجاري الأسود” (كبار المضاربين والتجار المتعاملين بالسوق السوداء)، لم تنطلِ عليه تلك الحيلة، فجمّد ما لديه من ليرة سورية، مع بقاء الأسعار في السوق كما هي. وأثار ذلك غضب الشارع، حول الانخفاض الكبير بسعر الدولار، وثبات سعر البضائع في الأسواق.

انخفاض سعر صرف الحولات إلى 430 ليرة في شركات التحويل المرخصة، شكل حالة غضب شعبية واسعة، وامتنع كثيرون عن استلام حوالاتهم، بانتظار تحسن سعر الصرف في السوداء والمركزي.

وبات معظم السوريين، مع انهيار قيمة العملة السورية وبقاء الرواتب على حالها، معتمدين على التحويلات المالية بالدولار من أبنائهم وأقاربهم في الخارج. ولا تسلم شركات التحويل قيمة الحوالات إلا بالليرة السورية. عملية تحديد قيمة التحويل المسموح استلامه من الخارج، مع خفض قيمة الليرة، أضرّت بالناس بشكل مباشر.

ومن المفترض أن يعود المركزي ويفرج عن الليرة السورية، خلال الأيام الأولى من كانون الأول، لدفع رواتب الموظفين. والعملية ستتم بالتدريج. مصادر “المدن” أكدت أن بعض الصرّافات الآلية في مدينة دمشق عادت للعمل، في حين أن جزءاً كبيراً منها ما زال متوقفاً. كما يتوقع أن يُحرر المركزي، بشكل جزئي، الودائع بالليرة السورية، ما قد يرفع سعر الصرف مجدداً إلى 450 ليرة سورية.

 وحتى اللحظة، لم تلعب السوداء بسعر الذهب، ولا خفّضت نسبة التحويل، الأمر الذي سيدفع العامة للجوء إلى السوق السوداء في حال بقي المركزي مصراً على تثبيت سعر الصرف عند سقف الـ434.

التصريحات الرسمية الحكومية، كعادتها جاءت منفصلة عن الواقع، ودعا حاكم مصرف سوريا المركزي دريد درغام، المواطنين السوريين لعدم بيع دولاراتهم والاحتفاظ بها. وقال درغام في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، إن المواطنين الذين تأتيهم حوالات مالية، أو المُخزّنين للدولار خلال السنوات الماضية، هم “بحالة هلع غير مبررة”. واعتبر أن سلوك التخلص من الدولار بأسرع وقت “غير طبيعي” ويغذي مطامع التجار الذين يلعبون بسعر الدولار.

معاون وزير وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب، قال لصحيفة “الوطن” الموالية، الأربعاء، إن الانخفاض الحالي في سعر صرف الدولار أمام الليرة، لن يؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع والمواد في الأسواق، لأن أغلب السلع الموجودة حالياً قد تم “استيرادها على السعر القديم”. مشيراً إلى انه “ليس من المنطقي” مطالبة التاجر بخفض أسعار السلع التي استوردها بسعر صرف مرتفع.
المصدر: جريدة المدن الالكترونية. 

اترك تعليقاً