بحث
بحث

الجنوب الدمشقي:حرب المعابر بين “المصالحة” و”خفض التصعيد”


المــدن – 
مرّ أسبوع على الإغلاق الجزئي لحاجز ببيلا–سيدي مقداد، الفاصل بين الجنوب الدمشقي الخاضع لسيطرة المعارضة، ومناطق النظام في العاصمة دمشق. التضييق انعكس سلباً على حياة المدنيين المحاصرين، ومثّل أداة قديمة/جديدة في سباق المشاريع السياسية المطروحة على طاولة الجنوب الدمشقي، خاصّة أنه استخدم في البداية للتحكّم بشأن داخلي وهو حاجز العروبة–بيروت، ومن ثم استثمار”حرب المعابر” للتقدّم خطوة أخيرة باتجاه “المصالحة” و”التسوية الشاملة” بتناغم كامل بين طيف من لجان “المصالحة” في الداخل و”فرع الدوريات/شعبة الأمن العسكري”، من دون أن تتكلّل هذه المحاولة بالنجاح.
 
ويفصل حاجزان بين أحياء دمشق الخاضعة لسيطرة النظام، وبين المناطق جنوبي دمشق التي يتنازع السيطرة عليها الجيش الحر وتنظيم “الدولة الإسلامية” ومجموعة صغيرة من “هيئة تحرير الشام”. الحاجز الأول هو ببيلا–سيدي مقداد، وهو الأكثر أهمية، والثاني هو حاجز العسالي في منطقة القدم. بينما يفصل حاجز سوق العروبة–شارع بيروت بين مناطق سيطرة الجيش الحر في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم وبين مناطق سيطرة “داعش” في مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والعسالي، وصولاً إلى حي القدم الخاضع للجيش الحر.
 
حرب المعابر.. اشتباك الخارج بالداخل
الإغلاق الجزئي لحاجز ببيلا–سيدي مقداد، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، يرجع إلى أسبابٍ ظاهرية بعيدة وقريبة، عدا عن الأسباب الحقيقية خلف ذلك. وارتبطت الأسباب الظاهرية القريبة بتهديد رئيس “فرع الدوريات” العميد طلال العلي، بإغلاق حاجز ببيلا–سيدي مقداد، إذا لم يُغلق حاجز العروبة–بيروت؛ المنفذ الوحيد بين شطري الجنوب الدمشقي. التهديد الذي وجّهه رئيس “فرع الدوريات” التابع لـ”شعبة الأمن العسكري” لممثلي لجان “المصالحة” خلال اجتماعه معهم، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، ونقلته تلك اللجان إلى المعنيين في المنطقة، ومن ضمنهم قادة الفصائل العسكرية والمكاتب الأمنية، أحدث خلافاً داخلياً بين من اعتبر أنه لا مجال لرفض إغلاقه خوفاً من عودة الحصار مجدداً على المنطقة بأكملها، بينما ذهب آخرون إلى رفض التهديد والإغلاق على السواء باعتباره صادراً عن النظام.
 
وانقسمت الفصائل جنوبي دمشق بين موافقة على إغلاق الحاجز، مقدّمةً مجموعة من المبررات، وهي “جيش الأبابيل” و”لواء شام الرسول” و”كتائب أكناف بيت المقدس”، ورافضة لإغلاقه كـ”جيش الإسلام” بالإضافة إلى “حركة أحرار الشام” و”فرقة دمشق” رغم عدم استشارتهما.
 
ونتيجة عدم التوافق على قرار موحّد بين الفصائل، ذهبت الهيئات المدنية في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، إلى مناورة تعالج فيها اختلاف الفصائل، مقرّرة، باعتبارها تمثل قرار البلدات، إغلاق حاجز العروبة–بيروت، ودعت المكاتب الأمنية العاملة فيها إلى إرسال عناصرها لتطبيق القرار.
 
وأغلقت المكاتب الأمنية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر حاجز العروبة–بيروت. وبعد ذلك، ظهر خلاف داخل المكاتب نفسها، وبين تجمعات المجاهدين العسكرية في البلدات، التي تمثّل أبناء البلدات المنضوين في الفصائل، أيضاً. الأمر الذي أحدث خرقاً مساء الأحد 12 تشرين الثاني، إذ أعيد فتح الحاجز لساعات، مع السماح بحركة المدنيين والمواد الغذائية إلى داخل المخيم والمناطق المجاورة. النظام ردّ مباشرة بإغلاق حاجز ببيلا–سيدي مقداد، ما أدى لاحتجاز مئات الأهالي في منطقة القزاز في محيط الحاجز، ليعاود النظام فتحه وإدخال المدنيين إلى الجنوب الدمشقي. في اليوم التالي، فرض النظام حصاراً جزئياً على المنطقة كلها، مانعاً دخول السيارات التجارية والمواد الغذائية، وضيّق على حركة الأهالي، ولم يسمح إلا بإدخال ربطة خبز واحدة مع كل عائلة، ليبدأ فقدان بعض المواد الغذائية الرئيسية من أسواق المنطقة، كالخبز والسكر والطحين، خاصة أن قوات النظام كانت قد أغلقت حاجز العسالي المنفذ الآخر من العاصمة إلى جنوبها نهاية تشرين الأول/أكتوبر.
“خفض التصعيد” والأسباب البعيدة
في 17 تشرين الأول/أكتوبر أغلق “جيش الإسلام” و”جيش الأبابيل” حاجز العروبة–بيروت، مبررين ذلك بجملة من الأسباب، منها نقض تنظيم “الدولة الإسلامية” لتعهداته السابقة بتحييد منطقة الحاجز عن عمليات قنص المدنيين والعسكريين على السواء، بالإضافة لقيامه بمضايقات متكررة للطلاب والكوادر التدريسية من أبناء مخيم اليرموك الذين يدرسون في مدارس البلدات الثلاث، ومنها أيضاً فرض “داعش” حصاراً على حي القدم الذي يسيطر عليه الجيش الحر.
 
 
واستمر إغلاق الحاجز قرابة 20 يوماً، ليعاد فتحه أمام أهالي مخيم اليرموك في 5 تشرين الثاني/نوفمبر. وقالت مصادر خاصّة لـ”المدن”، إن هناك أسباباً أكثر أهمية خلف إغلاق الحاجز، كتدعيم الموقف التفاوضي من قبل “جيش الإسلام” و”جيش الأبابيل” في مسار “خفض التصعيد” أمام الطرف الروسي برعاية مصرية، وللتأكيد على محاربة “داعش” من قبل أهالي المنطقة، عبر بوابة حاجز العروبة–بيروت، بحجّة أن النظام قد رفع تقارير للروس بأن المعارضة جنوبي دمشق تدعم “داعش” عبر إدخال المؤن وتأمين الطبابة وغيرها.
 
بين الإغلاق الأول والثاني، اتهم أنصار مشروع “المصالحة” الفصائل التي لها علاقة بمشروع “خفض التصعيد” بالرضوخ لأوامر روسيا، ساعين لتبرير وشرعنة إغلاق حاجز ببيلا-سيدي مقداد، على مبدأ “وحدة بوحدة”. وفي المآلات، من غير المعلوم حتى اليوم إن كانت كل تلك الخطوات قد أثمرت في رصيد أحد المشروعين، لكن لا مؤشرات تؤكد ذلك. 
 
 
الأسباب الحقيقية
وبحثاً عن الأسباب الحقيقة للأحداث المتسارعة جنوبي دمشق كشفت مصادر مطّلعة عن تفاهم ضمني بين تيار من لجان “المصالحة” و”فرع الدوريات” يقضي بإنجاز سيناريو التهديد والتعويل على احتمالية حدوث نزاع داخلي، ومن ثم تهيئة الأجواء أمام طرح “مبادرة المرحلتين”، والتي تعدّ مشروع “تسوية” شبيه بـ”المصالحة”، لكن مع فارق زمني أكبر. وبالتالي استباق دخول المنطقة في اتفاقية “خفض التصعيد”. الأمر الذي يُثّبتُ بقاء المعارضة، ويبعد شبح التهجير عن المنطقة، لفترة من الزمن.
 
المدنيون هم الخاسر الأكبر في المعادلة “الصفرية”
المبارزة الأخيرة بين مشروعي “المصالحة” و”خفض التصعيد” انتهت إلى النتيجة “صفر”، على المستوى السياسي طبعاً، أما على المستوى الميداني والإنساني، فقد خسر المدنيون، ولا زالوا حتى اللحظة، فيما وضعت الفصائل العسكرية نفسها أمام اتهامات شتّى، في الوقت الذي يجب عليها التركيز فيه على الحلفاء والامتداد الاجتماعي الذي يمثّل السند الميداني والحامل البشري لمشروع الثورة.
 
أما تيار “المصالحة” فبات الشارع يوجّه أصابع الاتهام له، بشكل مباشر، في التضييق الحاصل على حاجز ببيلا–سيدي مقداد، وفي لعبة الضغط وتحصيل المكاسب بغية إبرام “التسوية” التي وإن كانت قد تراجعت فرص إتمامها الآن إلى حدٍ ما، إلّا أنها ستعيد الكرّة مرة جديدة، ما دام الحل السياسي الحقيقي والمنشود بعيداً عن حاضر ومستقبل السوريين.

المصدر: جريدة المدن

اترك تعليقاً