بحث
بحث

مخيم اليرموك:هل يسمح”داعش”باخلاء”تحرير الشام”لمواقعها؟


المدن – 

بدأ تنظيم “داعش” هجوماً واسعاً، صباح الخميس، ضد مواقع سيطرة “هيئة تحرير الشام” في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، وفتح النار في جميع محاور الاشتباك، بدءاً من محيط ساحة الريجة شمالاً نزولاً باتجاه شارع حيفا جنوباً، وصولاً إلى “شارع 15” غرباً، ودارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين ما أدى الى وقوع قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.

الهجوم الذي لم يسفر عن أي تقدم حقيقي أو تبدّل في خريطة الصراع الضيّقة أساساً، انعكس بشكل مباشر على حي القدم المجاور للمخيم. وكانت قد سادت في حي القدم خلال الأيام القليلة الماضية حالة من التوتر والاحتقان المتصاعد بين مقاتلي “الهيئة” و”لواء مجاهدي الشام” المتواجدين في الحي من جهة، وعناصر تنظيم “الدولة” المسيطرين على منطقة العسالي التابعة إدارياً لحي القدم من جهةٍ ثانية. ووردت أنباء من القدم عصر الخميس عن بدء مقاتلي “الهيئة” و”اللواء” بفتح طلاقات ورفع سواتر، تمهيداً على ما يبدو لنقل الصدام المسلّح في المخيم إلى حي القدم، للتخفيف عن مقاتلي “الهيئة” المحاصرين في مساحة صغيرة لا تتعدّى 25 في المئة من مساحة مخيم اليرموك الكليّة. وذلك في مقابل آلة عسكرية قوية من ناحية العدّة والعتاد لتنظيم “الدولة”.
احتمال فتح معركة انطلاقاً من حي القدم ما زال مستبعداً إن لم يحسم الفصيل الأقوى في الحي وهو “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” قراره بالالتحاق بـ”الهيئة” و”اللواء”، خصوصاً أن “الأجناد” كانوا قد وقّعوا اتفاق هدنة مع تنظيم “الدولة” بعد معركةٍ شرسة بين الطرفين دارت في أيلول/سبتمبر في العام 2015.
 
سياق العمل العسكري الحالي للتنظيم مفهوم ومتوقع، فغاية الهجوم هي إفشال عملية خروج مقاتلي “هيئة تحرير الشام” مع عائلاتهم من مخيم اليرموك المحاصر إلى الشمال السوري، ضمن اتفاق “المدن الأربع” الذي بدأ تنفيذه منذ أسبوعين تقريباً، والذي يقضي في مرحلته الثانية بعد 60 يوماً (مضى منها 15 يوماً) بإخلاء مقاتلي “الهيئة” وعائلاتهم من منطقة شمال غربي المخيم إلى محافظة إدلب. وبالتالي، سيتسلم النظام وحلفاؤه من المليشيات الفلسطينية الموالية وبالأخص “الجبهة الشعبية/القيادة العامة” و”فتح الانتفاضة” المواقع التي سيتم إخلاؤها، لتتسع مساحة سيطرتهم على المخيم من قرابة 15 إلى 45 في المئة، مع فارق استراتيجي لم يستطع النظام تحقيقه منذ سنوات: وصول قوات النظام والمليشيات الحليفة إلى عمق مخيم اليرموك في شارعي حيفا وصفورية.
 
عدا عن ذلك، فإن من مصلحة تنظيم “الدولة” جنوبي دمشق تظل في بقاء الوضع على ما هو عليه، بين الهدنة غير المعلنة والحرب الشكليّة الصوريّة، سواء مع النظام أو فصائل المعارضة. فبقاء التنظيم قائم أساساً على جملة من التفاهمات مع النظام صاحب الموقف الأقوى في المنطقة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً. وإنّ حدوث أي تغيّر في خريطة الصراع على حساب التنظيم، سينسحب بالضرورة على هذه التفاهمات، ما قد يضطّره لتقديم تنازلات هي خارج حساباته حالياً، فيما لو وُضع ملفّه المؤجل على الطاولة مجدداً وبدأ بازارٌ صعبٌ حول مصيره، المتأرجح بين خيارين؛ الأول وهو الخيار الذي يصرّ عليه الأمير الحالي للتنظيم أبو هشام الخابوري، ابن حي الحجر الأسود، وهو خروج كامل مقاتلي التنظيم مع عائلاتهم إلى مناطق سيطرة “الدولة الإسلامية” في الشمال الشرقي من سوريا، والخيار الثاني وهو خيار الأمير السابق أبو صيّاح طيّارة الملقّب “فرامة” وجماعته المتبقين في المنطقة، وهو خروج قسم من التنظيم وعائلاتهم، وبالتحديد القيادات العسكرية مع بقاء القسم الأكبر من عناصر التنظيم، ليُفتح المجال أمامهم لتسوية الوضع.
 
وطرح “فرامة” هو الأفضل بالنسبة للنظام وهو المصر على إخراج قسم وإبقاء قسم تحت مسمى “اللجان الشعبية”، كما تشير معلومات وتحليلات مقرّبين من التنظيم في الحجر الأسود. ما يعني ترك الكتلة الأكبر من عناصر “داعش” لتواجه مصيرها بمفردها، وهم من تنظر إليهم قيادة التنظيم السابقة “فرامة” كمرتزقة مأجورين. وتعود أسباب الخلاف بين القيادة السابقة ومعظم قواعد التنظيم، في أحد وجوهها، إلى الحساسيات المناطقية بين جماعة الأمير السابق “فرامة” وهو فلاح من يلدا، وبين أبناء الجولان “النازحين” من جماعة الأمير الحالي أبو هشام.
 
الضربة الاستباقية للتنظيم والتي يسعى من خلالها إلى قضم مناطق من سيطرة “الهيئة”، وبحسب المعلومات الواردة من مخيم اليرموك، ورغم تعثّرها اليوم، فهي مرشحة للاستمرار. ولن تكون الضربة مجرّد هجمة واحدة، فليس الهدف منها عسكريّاً فقط، بل سياسي بالدرجة الأولى، وميداني له علاقة بجغرافية مخيم اليرموك وطبيعة بنيته التحتية التي تعطي تفوّقاً للمدافع على المهاجم، فيما لو حصل أي تحرك عسكري من النظام للسيطرة عليه. فسياسة قيادة التنظيم الحالية، وبناءً على رفض النظام لما تطرحه حول مصير التنظيم وعملية الخروج الجماعية، قائمة على التجهيز لمعركة طويلة الأمد مع مختلف الأطراف المواجهة، وبشكل رئيس مليشيات النظام.
 
التجهيزات الدفاعية المستمرة منذ شهور طويلة، من بناء شبكات الأنفاق وخطوط الدفاع القويّة على خطوط التماس في محيط سيطرة التنظيم، وتجهيز الأقبية في الحجر الأسود وربطها بأنفاق تحت الأرض، تؤكد أن التنظيم يستعد لشتّى الاحتمالات. وفي حال وقعت المعركة فالتنظيم جاهز لمرحلة استنزاف طويلة، وفي حال تم الاتفاق مع النظام على الخروج، فلن يكون قد خسر التنظيم شيئاً في ظل إمكانياته الماديّة الكبيرة.
 
مرحلةٌ جديدةٌ من الصراع العسكري بين تنظيم “الدولة” و”هيئة تحرير الشام” بدأت تتجلّى معالمها مع مرور الوقت، ولا تصبّ في صالح الطرفين. فحصار التنظيم لمناطق “الهيئة” شمال غربي المخيم شهوراً طويلة لإنهاك مقاتليها وإرضاخهم، لم يؤتِ أُكُله بعد إدخال مساعدات إغاثية “غذائية وطبية” من العاصمة دمشق للمنطقة المحاصرة ضمن اتفاق “المدن الأربع”، في 16 نيسان/إبريل. عدا عن أن التنظيم لن يقف مكتوف الأيدي أمام تمدد النظام المفترض عند تنفيذ عملية الإخلاء. فسيطرة النظام على مناطق محيط ساحة الريجة وجادة عين غزال ومنطقة المشروع، وأجزاء من شارعي حيفا وصفّورية، سيجعله في وسط المخيم، على بعد أمتار قليلة من شارع المدارس الاستراتيجي ومسجد “عبد القادر الحسيني”. وذلك يعني انتقال المعركة إلى قلب اليرموك بعد سنوات من بقائها على أطرافه الشمالية والشمالية الشرقية.
 
أما “هيئة تحرير الشام” التي كانت تتجهّز لعملية الإخلاء، التي ستتم بعد قرابة 45 يوماً، فستقاتل بشراسة دفاعاً عن مواقعها، رغم قلّة العدّة والعتاد. فمقاتلوها المنهكين من قتال طويل وظروف إنسانية صعبة، باتوا يرون تنفيذ الاتفاق وخروجهم من الحصار أشبه بالولادة من جديد، مع انعدام الخيارات أمامهم، بعد خسارتهم في عام 2015 لمواقعهم في بيت سحم بعد انتفاضةٍ شعبية ضدّهم أدت لطردهم إلى المخيم، وخسارتهم في ما بعد لمواقعهم في المخيم وحي العسالي أمام تنظيم “الدولة” عام 2016.
 
 تبقى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، في موقف المترقّب للهجوم العسكري الحالي، من دون وجود نيّةٍ حقيقيةٍ بالتحرك لمؤازرة “الهيئة”، بسبب العداء والعلاقة السيئة بين الطرفين منذ عامين ونيّف. بالإضافة إلى أن مصير هذه البلدات وقرارها مختلف تماماً عن خيارات جيرانها في المخيم والحجر والتضامن، ولا يتوقّع بشكل كبير أن يحدث خرقٌ مفصليّ في حي القدم، إلّا في ما يتعلّق بخطوات التهديد والتصعيد الممكنة ضد التنظيم، لإشغاله وإلهائه عن معركته الرئيسية المفتوحة في شمال غرب المخيم. 
اترك تعليقاً